بعد توحيد خسائر القطاع المالي.. هل ستتأثر ودائع المواطنين في المصارف؟

خاص ON | مارون يمّين | Saturday, December 18, 2021 6:44:00 PM

مارون يمّين - LebanonOn

إتفق لبنان أخيرا على تقدير حجم خسائر القطاع المالي في البلاد بما يتراوح بين 68 و69 مليار دولار، وذلك إستنادا إلى بعض الإفتراضات التي قد تتغير وفق ما أكّده نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي قبل أيام قليلة، ما يعني أن حجم الخسائر قد يتغيّر تبعا لتغيّر هذه الإفتراضات.
ورأى مراقبون إقتصاديون أنّ الاتفاق على حجم الخسائر، هو خطوة أولى ضرورية للحكومة اللبنانية مع سعيها للتفاوض على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي. فماذا يعني التوصل الى تحديد حجم خسائر القطاع المالي؟ أي إفتراضات قد تتغيّر؟ كيف ينعكس ذلك على المواطنين؟ وما أهمية ذلك في رحلة التعاون مع صندوق النقد الدولي؟

الخبير المصرفي بهيج الخطيب ردّ على كل هذه الأسئلة، في مقابلة أجراها معه موقع LebanonOn، مشيرا في البداية إلى أنّ "حكومة الرئيس حسان دياب قدّرت خسائر القطاع المالي بنحو 90 مليار دولار، بعد أن بنت دراستها إنطلاقا من فرضية أنّ الدولة مفلسة، والقطاع المصرفي مفلس، ومصرف لبنان كذلك؛ ولم تأخذ الحكومة حينها بالإعتبار مبدأ الاستمرارية في عمل المؤسسات، وفي الواقع الإقتصادي كل هذه المؤسسات غير مفلسة".

وأضاف الخطيب: "بالمعنى الإقتصادي الدولة غير مفلسة، فهي قادرة على طبع الأموال كما يجري الأمر الآن وتبقى مستمرة، والمواطن هنا يتأثر بالتضخم نتيجة إرتفاع الاسعار وتدهور قيمة المداخيل. أمّا المصارف، فقد وقعت في خسائر نتيجة أنّ الدولة لم تدفع ديونها المترتبة عليها، فيما وقع مصرف لبنان في خسائر نتيجة دعمه لسعر صرف الليرة وهندسات مالية لتخفيف عجز ميزان المدفوعات؛ وعلى هذا الأساس قدّرت الحكومة السابقة الخسائر، وحتى حمّلت المودعين جزءا منها".

وتابع: "الحكومة الحالية أعادت النظر في حجم الخسائر، ورأت أن كل جهة يجب أن تتحمّل جزءا من هذه الخسائر وفق مبدأ إستمرارية عمل المؤسسات. لذلك تمّ إعادة دراسة للأرقام التي إعتمدتها الحكومة السابقة، وجرى تخفيض نسبة الخسائر الى 69 مليار دولار، وستكون موزّعة بطبيعة الحال على الدولة والمصارف ومصرف لبنان، وكبار المودعين خصوصا الذين سبق وحصلوا على فوائد كبيرة نتيجة السياسات المصرفية التي كانت قائمة".

هل رقم الـ69 مليار دولار يلامس فعلا حجم الخسائر في الواقع؟
رأى الخطيب أنّه من الممكن جدا أن يكون هذا الرقم واقعيا. ويشرح: "مصرف لبنان وقع بفجوة مالية، تظهر جليا في ميزانيته تحت بند الأصول الأخرى، التي هي فعلا خسائر نتيجة سياسته التي اتبعها، وهو كان يتأمل إنقاذ الليرة، وحثّ المسؤولين في الدولة على وضع سياسات تُحسّن الوضع الإقتصادي، ومع الوقت يعيد بناء الخسائر التي وقع فيها وتعوضيها، لكنه لم ينجح بذلك حتى الساعة"، لافتا إلى أنّ "هذه الخسائر سيتحمّل جزءا من مسؤوليتها الآن، والجزء الآخر سيعمل على معالجتها في السنوات المقبلة، لكن بالنسبة للأرقام لا يمكن لأحد تقديرها سوى مصرف لبنان".

وقال: "كمراقب، الإفتراضات التي أبنوا عليها تقديراتهم تستند أولا إلى الإعتراف بوجود خسائر وقعت فعلا في مصرف لبنان، وكذلك الخسائر التي لحقت نتيجة عدم دفع اليوروبوندز وهي تقريبا 9 مليارات دولار تحملها البنوك اللبنانية؛ وبعد تمنّع الدولة عن تسديد اي دولار، أجّل الإستحقاق إلى عام 2037، ليقرّوا بعدها أنها خسائر يجب أن نتحملها"، مشيرا إلى أنّ "الدولة لم تتحمل كل الخسائر بل تقاسمتها مع مصرف لبنان، والمصارف".

ما هي الإفتراضات التي قد تغيّر حجم الخسائر في القطاع المالي؟
فنّد الخبير المصرفي بهيج الخطيب هذه الإفتراضات على النحو التالي: "عندما تضع الدولة خططا إصلاحية جدّية وقابلة للتنفيذ فعلا، وخطة تعافي، وإعادة هيكلة للقطاع المصرفي ليتمكّن من النهوض مجددا بعد مسح كل الخسائر التي وقع فيها، عندها صندوقق النقد الدولي والجهات المانحة، تبدأ بضخ الدم في شرايين القطاع المصرفي والاقتصاد اللبناني عموما. ويجب أن يترافق ذلك بسياسات تصحيح في العلاقات مع الدول العربية، ودول الخليج خصوصا، لأن هذه الدول تلعب دورا أساسيا في مدّ الإقتصاد اللبناني بأموال سواء من خلال الإستثمارات، أو من خلال السياحة، أو عن طريق إعادة ضخّ أموال للمودعين العاملين في الخليج؛ هذا كلّه يسمح بإنعاش القطاع المصرفي، وعندها تتغير كل الإفتراضات ويتحسّن الوضع تدريجيا، وتقل الخسائر المقدرة بنحو 70 مليار دولار، إلى 50 أو 40 مليار وحتى إلى 30 مليار دولار".

بالإضافة إلى ذلك، رأى الخطيب في حديثه لـLebanonOn أنّه "لا يمكن للدولة أن ترفض تحمّل جزء من الخسائر كونها هي الجهة التي ستوزعها، بمعنى أنّ الحكومة هي من توصّلت الى تقدير حجم الخسائر، وهي من سيضع خطّة، وآلية توزيع الخسائر. أمّا مصرف لبنان فسيتماشى مع الحكومة لأنّه موافق تقريبا على كل الأفكار المطروحة".

وأضاف: "المصارف ستكون مجبرة على القبول بإلحاقها بتحمل جزء من الخسائر، فلم يعد بإمكانها الهروب أو رمي المسؤولية على غيرها، لأنها في الأساس تتحمل جزءا من المسؤولية من خلال سياسات الإقراض التي إعتمدتها عبر سنوات، وعدم إلتزامها بمعايير لجنة بازل للرقابة المصرفية"، معتبرا أنّ "مبدأ الحيطة والحذر هو من أهم المبادئ للمحاسبة في التاريخ، وتشتمل في العادة على أنّه (لا يمكن للمصرف إقراض أيّة جهة، وترك سقف الإقراض مفتوحا من دون أن يحسب كيف سيستعيد المال)".

وتابع: "المصارف لم تلتزم بمتطلبات المعيار الدولي رقم 9 الذي يشدد على معدلات تقدير المخاطر، بمعنى (أنت تقرض هذا القطاع، عليك أن تقدّر المخاطر في هذا القطاع، وعلى أساسها ترى كم يجب ان تكوّن مؤونات لمواجهة الخسائر المحتملة)، لكن المصارف لدينا تجاوزت كل الحدود، وتوسّعت في سياسة التسليف من دون إتباع هذه المعايير، وأخذ الإحتياطات اللازمة"، غامزا من قناة مصرف لبنان أنّه ساعدهم، وتغاضى معهم في وقت من الأوقات عن موضوع معدلات تقدير المخاطر التي كانت يجب أن تُراعى بشكل واقعي.

وفق أيّ منطلق سيكون التعاطي مع المودعين الكبار الذين سيشملهم توزيع الخسائر؟
إعتبر الخطيب أنّ المودع الكبير واقع اليوم بين نارين "أيّهما الكحل وأيّهما العمى". يضع الخطيب نفسه مكان المودع ويسأل: "هل أنتظر 20 او 30 عاما على امل استرجاع كل وديعتي مع المحافظة على قيمتها في ظل التضخم العالمي طيلة كل هذه الفترة؟ أو أدخل بجزء من وديعتي كمساهمة في المصرف الذي أضع فيه وديعتي مع إمكانية إسترداد هذا الجزء عن طريق بيع الأسهم التي حصلت عليها بضعف قيمتها الحالية؟" مشدّدا في هذا السياق، على أنّ "الإقتصاد لا يبقى نائما، والدورة الاقتصادية ستعود إليها بالتأكيد حتى لو طالت الوقت قليلا".

وتكشف مصادر متابعة لعملية تقدير الخسائر في القطاع المالي عبر LebanonOn عن أنّ هناك عدالة في توزيع الخسائر تبدأ بالدولة والمصارف ومصرف لبنان وكبار المودعين إذا صدقت النوايا، مشيرة إلى أنّ التعافي وإسترجاع الودائع لن يتحققا من دون الإصلاح الإقتصادي الجدي.

من هنا أكّد الخطيب أنّه "إذا إلتزمنا مع صندوق النقد بالخطط التي يطلبها، بالرغم من كل المتعصّبين الايديولوجين الذين يرون فقط الجانب السيء من سياسات صندوق النقد، ونفذنا خطط التعافي سيبدأ إقتصادنا بالتعافي مرة جديدة في خلال 5 سنوات"، موضحا أنّنا "لم نصل بعد إلى الإنهيار الكبير، بفعل سياسات تصحيحية لجأت إليها الدولة منها رفع الدعم".

وقال: "نحن نمر الآن في مسار التصحيح في السياسات المالية والإقتصادية الموجودة منذ 30 سنة الى اليوم؛ وجاء هذا التصحيح سريعا جدا، لذلك كانت الإجراءات موجعة بحق المواطنين، أبرز مثال على ذلك هو رفع الدعم عن المحروقات، حيث إرتفعت تنكة البنزين من 25 الف ليرة الى 300 الف ليرة في 15 شهر تقريبا. فما كان بحاجة الى 15 سنة، فعلناه نحن بـ15 شهرا، وهذا أحد نماذج التصحيح التي كانت يجب ان تحصل منذ سنوات".

وأضاف: "الليرة كان من المفترض ان تتراجع أمام الدولار بدءا من العام 2005 بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري. في مثل هذه الأحداث التي كانت قاسية جدا على لبنان، حافظنا فيها على إستقرار سعر الليرة، لكن هذا السعر كان مصطنعا نتيجة فرض السلطة القائمة على مصرف لبنان بالتهديد والوعيد وبالقوة المحافظة على سعر صرف الليرة كما هو بالرغم من كل المعطيات السلبية التي كانت تحيط البلد بعد كل خضة أمنية او اقتصادية".

ويُرجع الخطيب في ختام حديثه سبب ذلك "إلى كون أيّ رئيس موجود لا يقبل ان يشهد عهده أي تراجع أو إنهيار في قيمة الليرة".

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا