لارا الهاشم - خاصّ موقع LebanonOn
تخيلوا أن قاضياً أمضى أربعين عاماً في الخدمة كرئيس مجلس القضاء الأعلى مثلاً لا يتجاوز راتبُه الثمانية ملايين ليرة لبنانية أي ما بات يوازي المئتي وخمسين دولار تقريباً على سعر صرف ٣٢ الف ليرة، في حين أن أي قاضٍ يبدأ حياته المهنية براتب ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف ليرة أي ما يوازي المئة دولار.
كلُّ هذا إذاً وهؤلاء لم يتقاضوا بَدَل نقلٍ منذ ستة أشهر تقريباً وكذلك هو مصير بدلات الانتخابات التي وعدوا بها منذ أيار الماضي. وما يزيد الطين بلّة هو بدء تحويل رواتب القضاة عن شهر آب يوم الأربعاء ليتبين لهم وجود حسوماتٍ وصلت إلى الثمانمئة ألف ليرة هي ضرائب اقتطعت عن الزيادات في الراتب نتيجة المساعدات الاجتماعية.
إزاء هذا الواقع وعدم قدرة القضاة على تأمين الحد الادنى من متطلبات العيش الكريم قرّرت مجموعةٌ كبيرة منهم توازي أكثر من نصف الجسم القضائي في القضاء العدلي والإداري والمالي، الإضراب بشكل كامل مع بعض الاستثناءات الطفيفة في عددٍ من النيابات. هذه المرة لا يطالب القضاة بتطبيق مبادئ قانونية أو اقرار قانون استقلالية القضاء كما في مرّاتٍ سابقة بل يقول مصدر قضائي ل lebanonOn ألّا عودة إلى العمل إلّا بعد إعادة النظر برواتبهم. ويكملُ المصدر أن المطلوب من القضاء كثيرٌ فيما القاضي منشغلٌ اليوم بالبحث عن سبُلٍ لتأمين القوت لعائلته. "فكيف للسلطة القضائية أن تُنتِج وتُصلِح في هذه الظروف؟ القضاة الفاسدون هم قلّة وهؤلاء ينعمون اليوم بأفضل حياة أما الأوادم فهم أكثرية ويحق لهم براتب يليق بهم وبعائلاتهم". و يضيف المصدر أن تعميم صورة التقاعص تريح القاضي الفاسد الذي لا يُذكر بالإسم ويظلم "الأوادم" لأنَّ من يملكون صلاحية النظر في قضايا الفساد والملاحقة هم قلّة قليلة من أصل ٥٣٠ قاضٍ عدلي وهؤلاء وصلوا إلى مراكزهم بفضل تبعيّاتهم السياسيّة المرفوضة أساساً من قبل الغالبية.
يعمل اليوم القضاة في ظروف مُحبِطة إذ لا كهرباء في قصور العدل ولا نظافة وحتى القرطاسية التي كانوا يشترونها من مالهم الخاص لم يعودوا قادرين على إحضارها لأن الأولوية هي "للأكل والشرب".
يُدرك القضاة أن الدولة مفلسَة وأن الوضع صعبٌ على كلّ اللبنانيين لكنّ عددهم لا يتجاوز الستمئة وبالتالي فان التوصُّل إلى حلٍّ يسمح لهم بالاستمرار ممكنٌ برأيهم. فتقاضي الراتب على أساس ال٨٠٠٠ تم لشهرٍ واحدٍ وقامت بعده القيامة والمشروع الذي كان يعمل عليه مع لجنة المتابعة بدعم مصرف لبنان لصندوق التعاضد للقضاة لم ينفذ، علماً أن كل التقديمات التي كان يؤمنها الصندوق تراجعت وبات جزءٌ منها يُدفع بالفريش للتأمين الصحي وبات جزء كبير من أقساط المدارس والجامعات بالفريش. حتى أن رسم الخمسين ألفا عن كلّ دعوى جزائية الذي أقرته لجنة المال والموازنة في الأمس ليذهب إلى صندوق تعاضُد القصاة هو من دون قيمة كون الطرح تقدّم بهذه القيمة منذ ال ٢٠١٩ أي قبل الانهيار الكبير. وبالتالي فلا يمكن الاستمرار بالعمل وسط هذه الظروف.
يخشى بعض القضاة من خطةٍ ممنهجةٍ لضرب القضاء مادياً ومعنوياً والمطلوب من الحكومة أن تبحث عن سبلٍ للحفاظ على ما تبقى من هذا الهيكل الذي يجري تدميرُه في وقتٍ لبنان بأمس الحاجة إلى قضاء يضرب بيدٍ من حديد.