لارا الهاشم - خاص موقع LebanonOn
اذا استمعنا إلى كواليس القضاة المعنيين بشكل مباشر أو غير مباشر بملف المرفأ لظننّا أنهم جميعهم حريصون على سير التحقيقات لكنّنا إذا نظرنا إلى الممارسات يتبيّن لنا أن من جهة أساءت إلى هذا الملف بقدر ما فعل القضاة أنفسُهم.
منذ عشرة أشهر وتحقيقات المرفأ متوقفة بفعل طلبات الرد والمخاصمة المقامة ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ومعه القاضي ناجي عيد الناظر بإحدى دعاوى الرد المقامة ضد البيطار. هذا التعسّف باستخدام المداعاة ما كان ليتكرّس لو توحّد الجسم القضائي دفاعاً عن كرامته ضدّ أي تدخّل سياسي. لكن عوضاً عن فعل ذلك لجأ القضاة إلى سلسلة خطوات ساهمت في عرقلة التحقيقات عبر كف يد المحقق العدلي. فالهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تقدّم أمامها الوزير السابق يوسف فنيانوس قبل عام تقريباً بدعوى مخاصمة الدولة على أعمال القاضي بيطار نيّمت الشكوى لأسابيع وفي اليوم ذاته الذي أحيل فيه القاضي روكس رزق على التقاعد ما أفقد الهيئة نصابها، طلبت الأخيرة من المحقّق العدلي تزويده بنسخةٍ طبق الأصل عن قرار الدفوع الشكلية المقدّمة من وكلاء فنيانوس القانونيين. عمليّاً جمّدت الدعوى بسبب تعطُّل النصاب وظلّت مذكرة التوقيف الصادرة بحق فنيانوس التي أراد وكلاؤه استردادها، قائمة، ومن هنا بدأ مسار تعطيل إصدار القرار الظني إذ لا يحق للمحقق العدلي اتخاذ أي قرار بحق مقدّم الدعوى في حالات المخاصمة.
لم يترك المدّعى عليهم وسيلةً قانونيةً إلا واستخدموها لكف يد المحقق العدلي، من دعاوى رد إلى نقل الدعوى من أمام القاضي بيطار وصولاً إلى مخاصمة الدولة على أعمال القاضي ناجي عيد الذي ينظر باحدى دعاوى رد البيطار، أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز الفاقدة للنّصاب. بالنتيجة لا تزال عشرات دعاوى الرد عالقة أمام القضاة منذ أشهر من دون إصدار قرارات فيها فيما لو تم البت فيها لكان القاضي عيد لربّما تنحّى إفساحاً بالمجال أمام سير التحقيقات، ومجلس القضاء وعوضاً عن فتح كوّة في جدار التعطيل ظلّ لأشهر منقسماً حول تشكيلات الهيئة العامة لمحكمة التمييز إلى أن أصدر التشكيلات الجزئية في نهاية المطاف.
لكنّ المرسوم لم يبصر النور بسبب القرار السياسي بالتعطيل عبر امتناع وزير المال عن توقيعه فلجأ المجلس بالإجماع إلى الحلّ الأسهل بالنسبة إليه وهو الموافقة على طلب وزير العدل تعيين محقّق رديف للقاضي بيطار بهدف البت باخلاءات السبيل. مجلس القضاء يبرّر موافقته بالضروروات الانسانية إذ لا يجوز تركَ مركز قرار من دون صاحب قرار، فيما كان الأجدى ذهاب رئيس المجلس وهو رئيس الهيئة العامة لمحكمة التمييز إلى الخيار القانوني المتاح الذي ينصف أهالي الموقوفين كما الضحايا وهو دعوة الهيئة العامة لمحكمة التمييز بأعضائها الأصيلين والمنتدبين للإجتماع والبت بدعاوى المخاصمة. تأخّر الرئيس سهيل عبود في اتخاذ هذا القرار الذي كان يعتبره غير قانوني إلى أن عاد إلى طرحِ إمكانيةَ السير به في الجلسة الأخيرة لمجلس القضاء الأعلى بعد تعذّر إيصال محقّق عدلي رديف من خياره. لكنّ هذه الدعوة تبقى آخر الخيارات إذا تعذّر إصدار مرسوم التشكيلات الجزئية علماً أن الأخير لن يبصر النّور بشكله الحالي لأنه يحمل إسم القاضية جمال خوري التي تحال على التقاعد في 25 أيلول. وعليه فان وزير العدل لن يوقّعه وإذا أعاده إلى المجلس للتصحيح فمن سيكون البديل عن القاضية خوري؟ وهل سيقبل عبود بترؤوس الغرفة التي كانت ترأسها خوري في حال اقترح فريق وزير المال هذا الأمر تحت ذريعة التوازن الطائفي؟
هذا فيما يتعلق بالتشكيلات الجزئية التي لا يبرز أي بصيص نورٍ فيها، أما فيما خص تعيين المحقق الرديف وإن حصل فهو سيفتح الباب على مشكلة أخرى وهي أن القاضي بيطار سيتعاطى معه على أنه منعدم الوجود وهو لن يسلّم ملفّه إلى أي قاض كونه مؤتمنٌ على سريّة التحقيقات حتى ولو كلّفه ذلك الطرد من السلك القضائي. كما أن البيطار ليس بوارِد التنحّي عن الملف لأن ذلك إذا حصل فسيعني إقفال ملف المرفأ الذي وصلت فيه التحقيقات إلى خواتيمها. ما حصل نتيجة هذا القرار هو "عملية انقلابية داخل القضاء" على حد توصيف مصادر مطلعة على موقف البيطار الذي يعتبر أنه غُدر من داخل البيت الواحد عبر موافقة مجلس القضاء على مبدأ المحقق الرديف "بالإجماع".
الأجدى بحسب المصادر كانت دعوة الهيئة العامة لمحكمة التمييز بأعضائها الأصيلين والمنتدبين للبت بدعاوى المخاصمة وإعادة الأصيل إلى مركزه. فالمنتدبون الذين يصدرون قراراتٍ مبرمة في قضايا جزائية بإمكانهم أن يحلّوا مكان الأصيلين نظراً لأهمية قضية المرفأ بحسب مصادر قضائية.
لكن القضاء وعوضاً عن تكريس مبدأ فصل السلطات والوقوف سدّاً منيعاً في وجه التدخلات السياسيّة، ها هو يُضربُ من بيت أبيه.