لم أشبع يا زياد

خاص ON | | Wednesday, April 3, 2024 9:52:00 AM

جو قديح 

في صالة "غومون" الحميمة في المنصورية، التي تديرها الفنانة التشكيلية هيلين كرم، الصالة التي تخلط بميزتها اللبنانية بين مسرح الكاباري ومسرح الجيب (piccolo teatro)، حيث يمكن للمشاهد تناول ما يشاء من مأكولات ومشروبات، خلال مشاهدته أنواع من المسرحية المختلفة.

هنا، عرض زياد نجار خلال ٤٥ دقيقة، "مونودراما" بعنوان "وعيتي". صيغ هذا العمل من أربعة مشاهد، ترتكز على قالب درامي مفكك طوعاً، ليصب القاسم المشترك في المشهد الأخير بأمثولة مباشرة للجمهور. أتى الإعداد شبيهاً بتقطيع أفلام "تارانتينو"، حيث كل شيء مسموح، كاللعب على محرمات الموت، الجنس والسباب، حيث تجسر زياد نجار بقذف طابات التمثيل والكتابة، لتتكامل بعملٍ "شرعي" متجانس من وجهة نظره الخاصة جداً. عملٌ نقدي، حديث قديم الرؤيا، بإيقاعٍ سريع ومتناغم.


ليس سهلاً أن يقف الممثل على الخشبة وحيداً، معرياً، مشرحاً، عارضاً، محللاً حياة شخصيات يلبسها وتلبسه، يؤيدها ولا يؤديها، بألعوبة المسرح داخل المسرح mise en abyme، حيث يكسر حيناً حائط أندري أنطوان الرابع ليخاطب الجمهور، ليتكلم مع نفسه أو ينظر إلى رجليه بشكلٍ متكرر، التي تختلف سرعتها مع تحريك كل شخصية بشكل دمياتي.
لعبة تغيير الأمتعة والماكياج أمام الجمهور كانت ممتعة، كاللعبة التي اعتمدها أوجينيو باربا وغروتوڤسكي بتفكيك مفهوم الكواليس.
في مسرح يكاد الممثل أن يلامس الجمهور، نجح زياد نجار بكسب تعاطف الحضور، حتى بالمشاهد التي استصعب المشاهدون أن يسقطوا مشاعرهم من خلال "الكاتارسيس"، فلم يستطيعوا التطبيع مع العنف المبطن أوالمباشر، رافضين قذف خوفهم فوق شبكة التماهي وال” suspension of disbelief”.
أقرب مشهد، ليته لم يكن يحمل وعظاً أو رسالة مباشرة (عندما يحمل المسرح رسالة تفرض وجهة نظر ويفقِد الحلم والمنام)، فكان المشهد الأخير، الذي لعب فيه زياد نجار شخصية الناقد المسرحي، التي تشبه إلى حدٍ بعيد (مقصودةً أم عفوية) "پيرسونا" الناقد الراحل نزيه خاطر، الذي كان يضيء قلمه خلال العرض، ليرعب المسرحيين بكلماته اللاذعة.
فالمسرح كلٌ يراه بطريقة مختلفة، كل مسرحي أو مشاهد لديه حاجته ومتطلباته الخاصة، التي تنبثق مباشرةً من لا وعيه.
كل مسرحي لديه إمضاءه، مهما كان يحمل النص المبوب قبل الإمضاء، من مشاعر، مخاوف، جنس، محرمات، نحيب، ضحك.
بدأت رحلة مسرحية "وعيتي" في District 7، الملتقى الثقافي/الفني الذي تديره الممثلة صولانج تراك، مرت بالGaumont، ونتمنى أن يكمِل زياد نجار رحلته الواعدة مع هذا العمل وأعمالاً مستقبلية في عدة مسارح.

"أنتِ وعيتي ونجحتِ بهالعمل يا ست.. لأنو ما نمت وضليتك لاقطتني لآخر دقيقة".
ليلة العرض كنت متواجداً في صالةٍ حميمة بين لفيفٍ من الأصدقاء والزملاء، جوزيف ساسين، بديع أبو شقرا، سوسن شوربا، سليم بدران، رلى واكد، جاد خاطر... لم أطلب شيئاً للأكل، بل حضرت عملاً متكاملاً، متجانساً، وقصير... فلم أشبع.

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا