المفاوضات السورية - الاميركية: ماذا قصد الرئيس بشار الاسد بعبارة "كل شيء سيتغير".. ولماذا تجمّدت العلاقات السورية - السعودية؟

خاص ON | محمد عبدالرحمن | Wednesday, April 24, 2024 7:19:00 PM

محمد عبد الرحمن - LebanonOn

منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، جرت مفاوضات متعددة بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، كانت أبرزها تلك في العام 2015 حينما صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل إزاحته عن السلطة، إلا أن الحقيقة كانت من وراء ذلك التصريح هو تفاوض من أجل الإفراج عن الصحافي الأميركي أوستن تايس المحتجز لدى السلطات السورية منذ عام 2012 في دمشق.

وأيضاً تحدثت تقارير في العام الفائت عن محادثات سورية أميركية من أجل الوصول الى قناة اتصال للتفاوض فتحت بينهما، وكشفت هذه التقارير عن عدة لقاءات جمعت مسؤولين أميركيين مع نظرائهم السوريين في الأردن وسلطنة عمّان، وتتقدم قضية الصحافي الأميركي نفسها على اجندة هذه المباحثات، ورغم أهمية هذا الملف بالنسبة للإدارة الاميركية الا ان المظلة التي تحتمي بها الإدارة امام الكونغرس لإدارة مفاوضات سياسية واسعة مع الحكومة السورية تشمل عدة ملفات حيوية.
وعلى الطرف السوري ثمّة ملفين مهمين على طاولة التفاوض مع الأميركيين: الأول انسحاب القوات الاميركية من الشرق السوري ومن الحدود السورية العراقية، وتحرير ابار النفط والغاز، والثاني مسألة العقوبات الاميركية المفروضة على الاقتصاد السوري، اما بالنسبة للجانب الأميركي فهناك في الواجهة قضية الصحافي اوستن تايس وخمسة أميركيين آخرين تجهل الإدارة مصيرهم في سورية.

كل ذلك سبق حديث الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة أجراها مع وزير الخارجية الأبخازي منذ يومين، وتطرق من خلالها عن مصير هذه المفاوضات، وقال الأسد: "لم نتوصل إلى أي شيء، ولكن كل شيء سيتغير"، لتطرح أسئلة عدة حول عبارة "كل شيء سيتغير"، وحول مصير العلاقات السورية الاميركية.

لماذا اندلعت الحرب في سوريا عام 2011؟

في هذا الاطار، أشار الكاتب والمحلل السياسي أحمد الدرزي في حديث لـLebanonOn الى أنه "من الواضح أنه ومنذ بداية الحرب في سوريا، كان هناك ادراك عميق بأن ما يحصل في سوريا وعلى الرغم من احتياجها لعملية تغيير واسعة لم يكن ضمن هذا السياق وانما ضمن سياق مشروع أكبر من قدرة السوريين وأكبر مما يتحملونه للسير نحو مسار استراتيجي جديد للولايات المتحدة الاميركية، وانما ما حصل في سوريا بالاساس يعتبر جزءاً مما يسمى ثورات الربيع العربي وبالمعنى الآخر الثورات الملونة".

وأضاف: "من النتائج النهائية التي وصلنا اليها بعد توضّح معالم الصراع في سوريا اقليمياً، والتحاق أوكرانيا بهذا الصراع ومن ثم في فلسطين، أن المسألة هي مسألة صراع دولي واقليمي وضمن المستوى المحلي".

وتابع: "ان الاميركيين حتى الآن يتعاطون مع سوريا وكأنها عقدة أساسية في اعادة ترتيب المنطقة، وهذا الترتيب لا يمكن أن ينجح الا بتحول توجه الجيوسياسي لسوريا وتموضعها ضمن المشروع الاميركي، وان كل ما يطرح في اطار المفاوضات السورية الاميركية حتى الآن يأتي في السياق نفسه، والادارة الاميركية لا تستطيع أن تصل الى مرحلة الاقرار بأن اجراء التحولات في داخل سوريا وفي داخل الاقليم بما ترغب به وبما تعمل عليه، لا يمكنها تحقيقه".

واعتقد الدرزي أن "القيادة السياسية في دمشق تدرك تماماً بأن سوريا قد أصبحت ملفاً جانبياً أمام الصراع في أوكرانيا ويتم التعويل على نهاية هذا الصراع وفقاً للاستراتيجية الروسية بتحقيق انتصار كبير في أوكرانيا. أما الآن بعدما وصلت الامور الى فلسطين والانفجار الكبير في 7 تشرين الأول، أصبح لدى القيادة السياسية في سوريا استدراكاً عميقاً بان هذه الحرب تختلف عن كل ما غيرها وما قبلها، وهي سوف ستكون البوابة نحو اطار جديد لادارة الصراع في المنطقة التي تتطلب هدنة طويلة كي تريح سوريا وبقية دول الاقليم، وبما في ذلك الكيان الاسرائيلي وايران والسعودية والقوى المتناقضة استعداداً لمرحلة جديدة من الصراع ربما الذي لن سيتوقف وانما سوف يتخذ أشكالاً ناعمة، لذلك عوّل الرئيس بشار الاسد في حديثه بأن "كل شيء سيتغير"، لاننا امام فترة زمنية ليست بالقليلة لوصول الولايات المتحدة الاميركية الى قناعة بانها خسرت الحرب في كل من سوريا وأوكرانيا وفلسطين المحتلة".

المفاوضات السورية الاميركية

وأردف: "ان التفاوض مع الاميركيين وفقاً لقواعد ثابتة بمعنى آخر، ان على الاميركيين بأن يتعاطوا مع دمشق من منطلق جديد ليس بمعنى "الفرض" انما بمعنى اطار أفضل للتفاوض، بحيث تتحقق المصالح السورية وأيضاً يمكن النظر للمصالح الاميركية بما ينسجم مع التوجهات السورية ضمن الحدود المتاحة".

ورأى أن "القيادة السياسية في دمشق تدرك جيداً بان استمرار المواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية سوف يُلقي بالمزيد من الاعباء على جميع السوريين سواء كانوا في داخل سوريا أم في خارجها وعلى جميع الاطراف السورية، وتحتاج سوريا الى انفراجة تستطيع من خلالها ان تحقق نوعاً من الاستقرار والانتعاش الاقتصادي، ولكن أعتقد ان هذه الادارة الاميركية وغيرها من الادارات المتعاقبة لا تستطيع أن تتخلى عن اخضاع ليس فقط سوريا فحسب بل اخضاع دول المنطقة لاعادة ترتيب أوضاعها ضمن اطار النظام الاقليمي المتجدد، الذي يحافظ على المصالح الاميركية في مواجهة التهديدات الاهم من روسيا والصين وبما في ذلك ايران أيضاً".

وكشف الدرزي ان "المفاوضات التي تجري في سلطنة عمّان تأتي لصالح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة فقط، ولم تهتم أميركا بهذه المفاوضات الاّ لإخراج أو اطلاق سراح المعتقل الاميركي الذي تسميه المختطف في سوريا، وهذا المواطن الاميركي الذي دخل الى سوريا بصفته صحافي ولكنه كان يعمل في أجهزة الاستخبارات الاميركية، وهذا هو المحور الاساسي للمفاوضات، وسوريا لن تقدم هذا الامر الا بمقابل، وهذا المقابل لا يستطيع الديمقراطيون تقديمه لسوريا لان اميركا تريد الافراج عنه مقابل لا شيء".

وأشار الى انه حتى "الآن المفاوضات السورية الاميركية "الامنية" لم تتوقف في أي لحظة من اللحظات ضمن هذا الشأن، ولذلك تتظهر بشكل سياسي وهذا ما حصل مع الاتراك أيضاً، بمعنى أن نخرج هذه المفاوضات تحت المظلة السياسية، ولكن الولايات المتحدة الاميركية حتى الآن لا تريد الوصول الى هذه المرحلة باعتبارها تمتلك أوراق القوة المهمة بفرض رأيها ليس فقط على سوريا وانما على كل المنطقة".

العلاقات السورية السعودية

كشف الدرزي ان الموضوع هنا لا يتعلق بسوريا والسعودية فقط، على الرغم من الرغبة السعودية بالعمل مع سوريا ولكن أيضاً المملكة تمتلك توجهاتها الخاصة وارتباطاتها ضمن النظام الغربي بشكل عام، كما انها تضع شروطاً للسير بهذا الاتجاه ومن الشروط الاساسية وعنوانها العريض "مكافحة المخدرات" وضبط الحدود، أما الشرط الاساسي الآخر هو التموضع مع مجمل دول النظام العربي كي تكون واحدة من كل الاطراف وبالتالي الانفتاح على سوريا هو تدفق الاستثمارات مقابل بناء النظام الاقليمي المطلوب ولا يمكن أن ينجح بغياب سوريا حتى الآن، وأعتقد أن هذا التموضع الجيوسياسي لا تريد دمشق الذهاب اليه بالشكل المطلوب لأنها تعتبر أن هشاشة الجغرافية السياسية لديها تحتاج الى شكل من أشكال التوازن بين قوى اقليمية كبرى تتمثل بايران وتركيا والسعودية بالوقت الحاضر بعد تغييب مصر، عدا عن القوى الاقليمية المعادية التي لا يمكن القبول بها وفي مقدمتها الكيان الاسرائيلي.

وختم الدرزي حديثه بالقول: "إن الملفات العالقة بين السعودية وسوريا مرتبطة من الناحية الفعلية بالطلبات الاميركية والجامعة العربية بشكل عام، والتي أسسها البريطانيين، وهذا النظام لم يخرج بخطه العام عن اطار السيطرة الغربية عليها ان كانت الهيمنة البريطانية سابقاً وهيمنة الولايات المتحدة الاميركية حالياً، وسوريا حتى الآن لا تستطيع الذهاب بهذا الاتجاه لانها ستفقد دورها الاقليمي وستفقد خياراتها السياسية التي تتيح لها البقاء كدولة بين الدول الكبرى التي لها سطوتها الحضارية".

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا