اعتبرت اوساط سياسية بارزة لـ"الديار"، أنّ هجوم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على حزب الله على خلفية معلومات صحافية، لا يبدو منطقيا، وكان يمكن الاكتفاء بنفيها، مع العلم ان كلام نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كان «توصيفا» للواقع السعودي وليس اتهاما للرئيس المكلف، فيما يدرك الجميع ان حزب الله لم يكن معنيا بالتصعيد مع الحريري، وما يزال، وهو يعمل جديا على محاولة تدوير الزوايا، وليس مسؤولا عن تسريبات اعلامية ساهمت في ارباك المشهد الداخلي، بدليل ان الاشتباك السياسي كاد ينتقل الى «داخل البيت» لو لم تبادر الرئاسة الاولى إلى نفي ما نسب الى الرئيس عون من أن الثلاثي رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يريدون الانقلاب عليه، وهذا ما دفع بري إلى صرف النظر عن بيان شديد اللهجة أعده للرد على بعبدا.
من جهةٍ أخرى، خلصت أوساط "نداء الوطن" إلى الإعراب عن قناعتها بأنّ موقف رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الداعي إلى إبرام "تسوية" داخلية، تتيح توسيع الحكومة كما طالب "حزب الله" لتمثيل النائب طلال أرسلان فيها، من شأنه كذلك أن يزيد الضغط على الحريري بعد أن سحب الموقف الجنبلاطي المستجد من يده إحدى "أوراق القوة" التفاوضية مع فريق الأكثرية، باعتبار "العقدة الدرزية" حُلّت و"صيغة الـ18 أضحت من الماضي".
أمّا "الأخبار"، فقد اعتبرت أنّ الحريري خرج أمس للردّ على ما نشرته عن رفضه مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التخلّي عن الثلث المعطّل، إذ أبلغ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنه سيكتفي بتسمية خمسة وزراء، إضافة إلى وزير لحزب الطاشناق، في حكومة من 18 وزيراً. فهذا الخبر، بحدّ ذاتِه، يُشكّل إحراجاً كبيراً للرئيس المكلف الذي ظهر أخيراً بأنه غير مستعدّ للقبول بأي صيغة وزارية قبل أن تُعطيه المملكة العربية السعودية الضوء الأخضر لزيارتها، أو تومئ إليه بإشارة قبول بالتأليف.
وفي هذا السياق علمت «الأخبار» أن الفرنسيين دخلوا بعدها على خط الوساطة، معتبرين أن إظهار الرئيس عون بعض الليونة في ملف الحكومة لاستعجال التأليف يُبنى عليه، وذلك بعدما تحدث اللواء إبراهيم معهم عن أن العقدة الوحيدة التي لا تزال تشكّل عائقاً أمام ولادة الحكومة هي وزارة «الداخلية» التي يُطالِب عون بأن تكون من حصته، بينما يرفض الحريري ذلك. حينها تولّى مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل الاتصال بالحريري في محاولة لإقناعه بالتراجع عن تمسكه بهذه الوزارة إلى جانب وزارة العدل. فقال المسؤول الفرنسي ما معناه: «حلّينا عقدة الثلث المعطّل، والآن لم يعُد هناك ذرائع»، لكن الحريري قال بأنه «لم يتبلّغ رسمياً من عون هذا الأمر»، مع أن اللواء إبراهيم زاره مرتين وأبلغه بذلك.
وبحسب "الأخبار"، اتصال الفرنسيين أزعج الحريري، فتواصل مع إبراهيم معبّراً عن استياء شديد، إذ اعتبر بأن هناك من يتدخّل لدى الفرنسيين للضغط عليه. وليس ذلك وحسب، فمن بين «مواويل» الحريري لنسف أي جهود، أنه رداً على موقف النائب جبران باسيل عدم المشاركة في الحكومة أو إعطائها الثقة، قال الرئيس المكلّف إن «عدم مشاركة التيار الوطني الحر في الحكومة يعني أن رئيس الجمهورية لا يحقّ له الحصول على خمسة وزراء، إضافة إلى وزير الطاشناق، وأنه سبق أن وافق على هذا العدد على اعتبار أنهم وزراء يمثّلون الرئيس والتيار معاً، أما وقد رفض باسيل المشاركة في الحكومة، فهذا يعني أن حصة الرئيس عون ستكون أقل».
وتتابع "الأخبار"، أنّه بالنسبة للكلام الذي صدر عن الحريري أمس رداً على ما كُتِب، كان لافتاً لجهة أنه للمرة الأولى منذُ تكليفه يفتح الهجوم باتجاه حزب الله. وبينما رأى البعض موقف الحريري «طبيعياً» لأن عقدة الأسماء الشيعية في الحكومة لم تُحلّ بعد، إلا أن مشكلة الحريري ــــ باسيل طغت عليها، قال آخرون إنه بيان «مواجهة» قد يكون إما رسالة إلى المملكة أو استباقاً لزيارة قريبة جداً!
ووتساءل "الأخبار": لكن هل بإمكان السعوديين الذين يستولي عليهم شعور القلق من سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وخاصة بعد الكشف عن تقرير جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي أن يُخصّصوا وقتاً للحريري ما داموا غير متأكدين من قدرته على تزعّم مشروع مواجهة حزب الله؟
وبحسب المعلومات المؤكدة إلى الآن لـ"الأخبار"، هي أن الفرنسيين أجروا اتصالات يوم أمس بعدد من القوى، من بينهم عون وياسيل والحريري وجنبلاط، وعبّروا عن استغراب كبير وغضب من تعامل القوى السياسية مع ملف الحكومة، فيما البلد ذاهب الى الانفجار، بينما أكدت مصادر مطّلعة أن «باريس لم تُصدق ما فعله الحريري، وأنه هرب من التشكيل رغم تراجع الرئيس عون»!